طراااااااااااائف
صفحة 1 من اصل 1
طراااااااااااائف
وقال أبو فراس في رسول ملك الروم إذ جاء يطلب الهدنة، فأمر سيف الدولة بالركوب بالسلاح، فركب من داره ألف غلام مملوك بألف جوشن مذهب على ألف فرس عتيق بألف تجفاف، وركب الناس والقواد على تبعيتهم وسلاحهم وراياتهم، حتى طبق الجيش جبل جوشن وما حوله. فقلت:
علونا جوشناً بأشـد مـنـه وأثبت عند مشتجر الرماح
بجيش جاش بالفرسان حتّى ظننت البرّ بحراً من سلاح
فألسنةٌ من العذبات حـمـر تخاطبنا بـأفـواه الـرياح
وأروع جسمه لـيلٌ بـهـيمٌ وغرّته عمودٌ من صبـاح
صفوحٌ عند قدرتـه كـريمٌ قليل الصّفح ما بين الصفاح
كأن ثباته للقـلـب قـلـبٌ وهيبته جناحٌ للـجـنـاح
طرف من أخبار المهلبي
وعلى ذكر المهلبي أذكر طرفاً من ظريف أخباره، وشريف آثاره، وإنما أسلسل أخبار أمثاله من أشراف العصر، وأفراد الدهر، تعمداً للذة الجدة، ورونق الحداثة؛ إذا كان ما لم يقرع الآذان، أدعى إلى الاستحسان، مما تكرر حتى تكدر.
والمهلبي هو أبو محمد الحسن بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة، وكان المطيع لله الفضل بن جعفر المقتدر، لما ولي الخلافة بعد المستكفي، قام بجميع أموره معز الدولة أحمد بن بويه الديلمي، وصحبه أجمل صحبة من أول ولايته إلى سنة موته وهي سنة ست وخمسين وثلاثمائة، وعقد الديلمي أمر وزارته للمهلبي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. وكان المهلبي من سروات الناس وأدبائهم وأجوادهم وأعزائهم، وفيه يقول أبو إسحاق الصابىء:
نعم اللّه كالوحوش وما تـأ لف إلاّ أخايراً نـسّـاكـا
نفّرتهـا أيام قـومٍ وصـيّ رت لها البرّ والتّقى أشراكا
وفيه يقول:
قل للوزير أبـي مـحـمـد الـذي قد أعجزت كلّ الورى أوصـافـه
لك في المجالس منطقٌ يشفي الجوى ويسوغ فـي أذن الأديب سـلافـه
وكأنّ لفظك لـؤلـؤ مـتـنـخّـل وكـأنـمـا آذانـنـا أصـدافــه
وفيه يقول أبو نصر عبد العزيز بن عمر بن نباتة السعدي:
أنا عبد من لو قال للشمس اغربي غربت وقد طلعت على الأشهاد
المستقل مـن الـوزارة رتـبةً إشراقها فوق الخـلافة بـادي
عقّ الكماة لخوفه هـيجـاءهـم وهم لطـاعـتـه مـن الأولاد
وتقنعوا بالنـزر مـن أيامـهـم حتى ظنناهـم مـن الـزهـاد
ومن التراب عجاجهم وعجاجـه ممّا يحطّم مـن قـنـاً وجـياد
القائد الخيل العتـاق كـأنـهـا أسد مخالبها صـدور صـعـاد
كذب المحدّث بالشجاعة والنـدى عن خـنـدف وربــيعة وإياد
لو أبصرت عيناه آل مـهـلـب والخيل راوية النحور صـوادي
يخرجن من رهج العجاج كأنمـا أسيافهم خرجت من الأغـمـاد
أوما رأيت جنابهم مـتـدفّـقـاً متوسعـاً لـتـضـايق الـرّوّاد
ووجوههم للبذل من إشراقـهـا قد قنّعت شمس الضحى بسـواد
لرأيت أو كادت جفونك أن ترى لجج البحـار وآنـف الأطـواد
وعلمت أنهم على رغم الـعـدى ذهبوا بكل نـدىً وكـلّ جـلاد
يا من نصغّره إذا قـلـنـا لـه ملك الملوك وماجد الأمـجـاد
وذباب سيفك إنه قسم الـوغـى والموت في ثوب من الفرصـاد
لأطرزنّ بك الزمـان مـدائحـاً تختال بين الـشـدو والإنـشـاد
تدع المسامع والقلوب لحسنـهـا عند الرواة تشـدّ بـالأصـفـاد
وقال فيه:
ألكني إلى آل المهلـب إنـهـم لأرفع من زهر النجوم وأثقب
إذا سلبوا الأموال من شنّ غارة أغار عليها المجتدون ليسلبـوا
فلا زالت الأملاك تطلب رفدهم فتدنى وتعطى فوق ما تتطّلب
ولا برحت حمر المنـايا وسـودهـا إلى بأسهم يوم الوغى تـتـحـزّب
فما استمطروا للجود إلاّ تـدفّـقـوا ولا استصرخوا للطّعن إلاّ تلبّـبـوا
إليك أمين اللّه في الأرض شمّـرت عزيمة صبحٍ بالدّجى تتـجـلـبـب
يرى حظّه مستـأخـراً وهـو أوّلٌ وآماله مغـلـوبة وهـو أغـلـب
وأنت شبابٌ للذي شـاب مـقـبـلٌ إليه ووجهٌ للذي خـاب مـلـحـب
تقـود أبـيّات الأمـور كـأنّـهـا إليك أسارى في الأزمّة تـجـنـب
وتطعن في صدر الكتائب معلـمـاً كأنك في صدر الدواوين تـكـتـب
نداؤك أملـى والـجـياد مـنـابـرٌ وأبطالها بالمشرفّـية تـخـطـب
أذمّ زياداً فـــي ركـــاكة رأيه وفي قوله: أيّ الرجال المـهـذب
وهل يحسن التهذيب منك خـلائقـاً أرقّ من المـاء الـزلال وأعـذب
تكلّم والنـعـمـان بـدر سـمـائه وكلّ مليكٍ عند نعمـان كـوكـب
ولو أبصرت عيناه شخصـك مـرّة لأبصر منه شمسه وهي غـيهـب
إذا ذكرت أيامك الغرّ أظـلـمـت تميم وقيس والربـاب وتـغـلـب
لقد صرّحوا بالمال لي وهو مبـهـم وقد عرّضوا بالقول لي وهو موجب
ولي همةٌ لا تطلب المال للـغـنـى ولكنها منك الـمـودّة تـطـلـب
فإن كان قولي دون قـدرك قـدره فما أنا فيه في امتداحـك مـذنـب
إذا كانت الأشـياء دونـك قـدرهـا فغير ملومٍ أن يقصّـر مـسـهـب
زياد: هو النابغة الذبياني؛ وإنما عنى قوله في اعتذاره للنعمان بن المنذر:
ولست بمستبقٍ أخاً لا تـلـمّـه على شعثٍ أيّ الرجال المهذب
ألم تر أنّ اللّه أعطاك سـورةً ترى كل ملكٍ دونها يتـذبـذب
بأنّك شمسٌ والملوك كـواكـب إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب
وإنما أخذ النابغة هذا من قول شاعر من كندة قديم:
تكاد تميد الأرض بالنـاس إن رأوا لعمرو بن هند غضبةً وهو عاتـب
هو الشمس وافت يوم دجنٍ فأفضلت على كل نورس والملوك كواكـب
من حياة المهلبي
والمدح في أبي محمد المهلبي كثير، وإنما يؤخذ من كل شيء ما اختير. وكان قبل تعلقه بحبل السلطان سائحاً في الأرض على طريق الفقر والتصوف. قال أبو علي الصوفي: كنت معه في بعض أوقاته، أماشيه في بعض طرقاته؛ فضجر لضيق الحال، فقال:
ألا موتٌ يباع فأشـتـريه فهذا العيش ما لا خير فيه
ألا رحم المهيمن روح حرّ تصدّق بالوفاة على أخيه
قال: فاشتريت له رطل لحم وطبخته له. ثم تصرف بنا الدهر وبلغ المهلبي مبلغه؛ قال أبو علي: فاجتزت البصرة واجتزت بأسلمان، فإذا أنا بناشطيات وحراقات وزيارب وطيارات في عدة وعدة. فقلت: لمن هذا ? فقيل: للوزير أبي محمد المهلبي، فنعتوا لي صاحبي، فتوصلت إليه حتى رأيته، فكتبت رقعة واحتلت حتى دخلت، فسلمت وجلست، حتى إذا خلا المجلس رفعت إليه الرقعة، وفيها:
ألا قل للوزير بلا احتشـام مقال مذكّر ما قد نـسـيه
أتذكر أن تقول لضيق عيشٍ ألا موتٌ يباع فأشـتـريه
فنظر إلي، وقال: نعم ! ونهض وأنهضني معه في مجلس أنسه، وجعل يذكر لي كيف توافت حاله؛ وقدم الطعام فأطعمنا، وأقبل ثلاثة من الغلمان على رأس أحدهم ثلاث بدر، ومع آخر تخوت وثياب رفيعة، ومع آخر طيب وبخور؛ وأقبلت بغلة رائعة بسرج ثقيل؛ فقال لي: يا أبا علي؛ تفضل بقبول هذه، ولا تتأخر عن حاجة تعرض لك، فشكرته وانصرفت؛ فلما هممت بالخروج من الباب استردني وأنشدني بديهاً:
رقّ الزمان لفاقتـي ورثى لطول تحرّقي
فأنالني ما أرتـجـي وأجار ممّا أتّـقـي
فلأغفرنّ له القـدي م من الذنوب السّبّق
إلاّ جنـايتـه لـمـا فعل المشيب بمفرقي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى